إتفاقيّات الذكاء الإصطناعي بين أميركا ودول الخليج... هل يستفيد لبنان؟ -- May 19 , 2025 112
في ظل التحوّل الكبير الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط في قطاع التكنولوجيا، دخلت الولايات المتحدة في سلسلة من الشراكات الاستراتيجية مع دول الخليج (بالتحديد الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية) ، بهدف تعزيز التعاون في مجال القطاع التكنولوجي (AI)، من باب أن الذكاء الإصطناعي والتكنولوجيا عامّة، التي أصبحت المُحرّك الأساسي للنمو الإقتصادي. وإذ لم يكن لبنان طرفا في هذه الاتفاقيات، إلا أن أمامه فرص للإستفادة من هذه التحولات، والتي قد تمثل نافذة أمل جديدة للإقتصاد اللبناني من باب التكنولوجيا الرقمية.
لبنان والذكاء الاصطناعي
من المعروف أن اليد العاملة اللبنانية كفوءة، وتطال مجال الذكاء الإصطناعي، وهو ما يُمكن ملاحظته من خلال إمتلاك العديد من الجامعات اللبنانية برامج «ماسترز» في الذكاء الإصطناعي، كفيلة بجعل الطلاب المُتخصصين فيها فعالين في الحياة العملية، كما تشهد على ذلك الخدمات الرقمية التي يُقدّمها الشباب اللبناني للعديد من الشركات الأميركية، والكندية، والأوروبية. كما يشهد على ذلك عدد الشركات الناشئة التي تعمل في هذا المجال. وإذا كانت البنية التحتية وتمويل المشاريع البحثية شبه معدومة في لبنان، إلا أن هذا لم يمنع العديد منهم من إستغلال الـ clouds ، لتقديم خدمات لشركات أجنبية.
إستحداث وزارة للذكاء الإصطناعي بهدف تطوير رؤية وطنية خاصة بالذكاء الاصطناعي، وتحويل لبنان إلى مركز إقليمي للابتكار الرقمي، يدلّ على رغبة في مواكبة هذا التطور، إلا أن هذا الأمر ليس بالسهل، خصوصا مع ما حصل من إتفاقيات بين الولايات المُتحدة الأميركية ودول الخليج، والقدرة الهائلة التي تمتلكها هذه الأخيرة من ناحية التمويل، وهو أمر لا يُمكن للبنان مع أزمته الحالية من تخطيه.
لذا قامت الحكومة بإطلاق بعض المبادرات، لتحديث البنية التحتية الرقمية العامة، ودمج الذكاء الاصطناعي في الخدمات الحكومية، مُستندة بذلك على خبرات وكفاءات عدد من الشباب اللبناني في الخارج والداخل.
إتفاقيات قد تنسحب على لبنان
من المُتوقّع أن ينسحب تطور الذكاء الإصطناعي في الدول الخليجية على لبنان، من باب النتائج الاقتصادية والاجتماعية. فالشراكات في مجال التكنولوجيا بين الولايات المُتحدة الأميركية والدول الخليجية، ستُسهمّ في إستقرار اقتصادي أكبر وزيادة الناتج المحلّي الإجمالي غير النفطي في دول الخليج. وهو ما سيؤدّي بدوره إلى زيادة التبادل التجاري والاستثمارات الإقليمية، بما في ذلك زيادة العمالة اللبنانية الكفوءة. وإستطرادا تحويلات اللبنانيين العاملين في الخليج، مصدر حيوي للعملة الصعبة للبنان (مُساهمة تحاويل المُغتربين اللبنانيين تفوق الـ 30% في الناتج المحلّي الإجمالي).
وبالتحديد، فإن خلق مراكز أبحاث في الذكاء الإصطناعي في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المُتحدة، ستسمح للجامعات والشركات اللبنانية، بالتعاون مع هذه المراكز البحثية، تعزيز المعرفة وتبادل الخبرات، وهو ما قد يعود بالنفع على القطاع التكنولوجي في لبنان على المدى البعيد.
أيضا، يُمكن للشركات اللبنانية المتخصصة في البرمجيات أو الخدمات الرقمية، أن تتعاون مع الجهات الناشئة في دول الخليج، من أجل بناء مراكز بيانات ضخمة في الخليج، عنصر أساسي في مجال الذكاء الإصطناعي، بهدف تقديم تطبيقات وبرمجيات موجهة للسوق العربي بالتحديد.
إستفادة على أكثر من صعيد
الزخم الإعلامي الكبير الذي واكب توقيع الإتفاقيات بين الولايات المُتحدة الأميركية وبين الدول الخليجية، خصوصا الإمكانات المالية الهائلة والوظائف بالآلاف التي ستنتج عن هذه الإتفاقيات، زاد من وعي الشباب على أهمية الإنخراط في هذا المجال من أجل مُستقبل واعد، ولكن أيضا زاد من إهتمام الشركات والمُستثمرين في مجال الذكاء الإصطناعي. وهو ما قد ينعكس لبنانيًا رغبة محلية كبيرة في الإستثمار في شركات الذكاء الإصطناعي، ولكن أيضا إهتمام أكبر من قبل الحكومة اللبنانية التي قد تقوم بعددٍ من الإجراءات، التي تذهب في إتجاه دعم هذا القطاع. وبإعتقادنا هناك عددٌ من القطاعات التي يُمكن للشركات اللبنانية التألق فيها مثل القطاع التعليمي، والهندسة، والصحّة... حيث يُمكن لهذه الشركات أن تُصبح رقمًا صعبًا في المعادلة الإقليمية.
الإستفادة بالأرقام
المُحاكاة التي قمنا بها لمعرفة حجم الإستفادة، تثبت أن هذه الأخيرة هي شبه أكيدة. وقد قمنا بعدد من الفرضيات التي تطال تأثير نمو التكنولوجيا الإقليمي، حيث إفترضنا أن جزءا من نمو قطاع التكنولوجيا الناتج عن إتفاقيات الولايات المتحدة ودول الخليج في منطقة الخليج، يمكن أن يفيد قطاع التكنولوجيا في لبنان بشكل غير مباشر ، من خلال تبادل المعرفة والتعاون المحتمل وزيادة الاهتمام بالاستثمار الإقليمي. كما قمنا بإحتساب كل من نمو قطاع التكنولوجيا في لبنان، والنمو الإقتصادي، وخلق فرص العمل، وذلك في حالتين: بشكل مستقل عن تطورات الخليج، وآخذين بعين الإعتبار عامل الإستفادة غير المباشرة (بفعل إتفاقيات الذكاء الإصطناعي)، وتوصّلنا إلى ما يلي (أنظر إلى الرسم البياني):
الحجم النسبي لقطاع التكنولوجيا بعد 10 سنوات (بدون الإتفاقيات) 134.39، والحجم النسبي لقطاع التكنولوجيا بعد 10 سنوات (مع تأثير الإتفاقيات) 139.70.
الناتج المحلي الإجمالي بعد 10 سنوات (بدون الإتفاقيات) 22.28 مليار دولار أميركي، والناتج المحلي الإجمالي بعد 10 سنوات (مع تأثير الإتفاقيات) 22.31 مليار دولار أميركي.
عدد الوظائف بعد 10 سنوات (بدون الإتفاقيات) 1,428,572، وعدد الوظائف بعد 10 سنوات (مع تأثير الإتفاقيات) 1.445.469.
إذا، وكما يظهر من نتائج هذه المحاكاة، هناك جزم من أن لبنان سيستفيد من هذه الإتفاقات. هذه الإستفادة قد تتاعظم إذا تخطّى لبنان التحديات التي تواجهه.
تحدّيات على الصعيد اللبناني
من الواضح أن المُستقبل الواعد للإتفاقيات بين الولايات المُتحدة الأميركية والدول الخليجية، ستجذب العديد من الإستثمارات الأجنبية المباشرة الخاصة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المُتحدة ، سواء على شكل مُساهمة في الشركات أو على شكل إستثمارات مباشرة (خلق شركات في مجال الذكاء الإصطناعي والصناعة الرقيمة). إلا أن هذه الإستثمارات لن تدخل إلى لبنان، إلا بعد أن يتخطّى هذا الأخير التحدّيات التي يواجهها، وعلى رأسها حصرية السلاح والإصلاحات الإقتصادية الجوهرية. إلا أن هذا الأمر قد لا يشمل بعض الإستثمارات من قبل بعض المُستثمرين المحلّيين ومُغتربين لبنانيين (رجال أعمال بشكلٍ خاص)، خصوصا أن هؤلاء لهم إرتباط عاطفي يُضاف إلى الربح المالي الذي قد يجنيه المُستثمر من هكذا إستثمار.
هذا الأمر قد يُشكّل مُقدّمة لإستثمارات أجنبية مباشرة مُستقبلية من قبل مستثمرين عرب وأجانب، إذا تخطّى لبنان التحدّيات المفروضة عليه. الإستثمارات قد تشمل البنية التحتية الرقمية وعلى رأسها سرعة «الإنترنت» وموثوقيته، و»الداتا سنتر»، والتيار الكهربائي... أمّا على الصعيد الحكومي فقد تشمل الإجراءات تحفيز الإستثمارات في هذا القطاع من الباب الأداة الضريبية، وتخفيف الإجراءات الإدارية، وتعزيز الإستراتيجية الوطنية، وتحسين البيئة التنظيمية، وبناء بيئة مواتية للابتكار الرقمي.
رغم أن لبنان ليست طرفا مباشرا في اتفاقيات الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة ودول الخليج، إلا أن التحوّل التكنولوجي الذي تشهده المنطقة، قد يفتح أبوابا جديدة أمام الشركات اللبنانية والشباب اللبناني، وهو ما يجب العمل عليه إنفراديا أو حكوميا، حيث أن عودة لبنان إلى الحضن العربي قد يُشكّل تسهيلات كبيرة للبنانيين للإستفادة من هذه الفرص.
الديار - جاسم عجاقة