100 مليون علبة دواء منتهية الصلاحية: "تعايش" الهدر والاحتكار -- Sep 02 , 2025 9
استفاق نقيب الصيادلة اليوم على أن الأدوية منتهية الصلاحية تشكّل خطراً على حياة المرضى، مطالباً وزارتي الصحة والبيئة بسحب تلك الأدوية "المكدّسة" في الصيدليات وتلفها خارج لبنان باعتبار أن خطرها يفوق خطر الدواء المزوّر.
لا شك أن ما حذّر منه النقيب جو سلّوم عالي المخاطر. فالأدوية منتهية الصلاحية توازي فعلاً بخطرها تلك المزورة، ولكن تحذير النقيب يفتح الباب على أسئلة كثيرة منها ما يُدين الصيادلة أنفسهم، أولها ينطلق من حديثه، لماذا يجب أن تشكّل الأدوية منتهية الصلاحية خطراً على حياة المرضى؟ ألا يعني ذلك أن الصيادلة يبيعون أدوية منتهية الصلاحية؟ ثم لماذا فتح الملف اليوم في وقت تستمر فيه الشركات المستوردة للأدوية باسترجاع الأدوية منتهية الصلاحية كما السابق أي بكميات ضئيلة.
أسئلة أخرى فرضت نفسها انطلاقاً من رد نقابة مستوردي الأدوية وما تخلّله من تلميحات ومخاوف من تخزين غير مبرّر للأدوية أو عدم صرفها للمرضى في الوقت المناسب. وهذا الأمر يعيدنا بالذاكرة إلى السنوات الأولى من الأزمة حين كان المرضى يصطفون في طوابير على أبواب الصيدليات لاستجداء علبة دواء دون الحصول عليها غالباً. كما لا يغيب عن بال اللبنانيين لاسيما منهم مرضى السرطان توقيف نقيب الصيادلة السابق ربيع حسونة بتهمة احتكار أدوية السرطان المدعومة في أوج الأزمة. تلك الممارسات وإن كانت سابقة إلا أنها تبقى حاضرة ومحتملة في أي وقت.
فالصيدليات ورغم أن غالبيتها تلتزم بتسعيرة الأدوية المحدّدة من قبل وزارة الصحة غير أن بعضها يرفع الأسعار ويستغل المرضى، وهذه الفئة تحديداً ليست مستبعدة من ارتكابات وجرائم أخرى كاحتكار الأدوية أو بيع المزور منها أو حتى منتهي الصلاحية.
سجال ومصالح
بالأمس وقع سجال بين نقابتي الصيادلة ومستوردي الأدوية، على خلفية رفض الأخيرة استرجاع كميات كبيرة من الأدوية منتهية الصلاحية. انطلق السجال من إصدار نقيب الصيادلة جو سلّوم بياناً حذّر فيه من أنّ الدواء المنتهي الصلاحية لا يقلّ خطورة عن الدواء المزوّر، إذ يهدّد حياة المريض والبيئة، معتبراً أن إحجام بعض الشركات والمصانع عن استرجاعه وتلفه خارج لبنان يحوّل الصيدليات إلى "قنابل موقوتة". ودعا سلّوم إلى تطبيق القانون الذي يُلزم باسترجاع المرتجعات الدوائية.
بيان سلّوم ألزم نقابة مستوردي الأدوية بالردّ فأكدت في بيان لها أن آلية الاسترجاع مطبّقة منذ سنوات وفق أصول واضحة وشفافة، وأنّ الملف تجاري بحت ولا علاقة له بأمن الدواء أو الأزمة الصحية، وشدّدت على أنّ أي خلل يجب معالجته بالحوار بين النقابتين لا عبر الإعلام، وأنّ المستوردين ملتزمون التعاون مع الصيادلة بما يحمي القطاع ويصون ثقة المرضى.
وبعد التدقيق في سبب توقيت بيان سلّوم الذي فتح الملف عبر الإعلام، تبيّن أن الأخير خرج من وزارة الصحة صباح أمس بعد لقائه الوزير "غير راض" عن اللقاء الذي كان مخصّصاً للبحث في ملف الأدوية منتهية الصلاحية. ويرجّح مصدر متابع أن يتّجه وزير الصحة ركان ناصر الدين إلى اتخاذ قرار مشابه لقرار وزير الصحة السابق الذي علّق فيه مسألة استرجاع الأدوية منتهية الصلاحية بهدف التخفيف من الهدر وفي أحسن الأحوال قد يقنّن عمليات الاسترجاع.
فالصيادلة وعلى رأسهم سلّوم يطالبون الشركات المستوردة باسترجاع كافة الأدوية منتهية الصلاحية التي لم تُباع في وقتها، بهدف إعادة تصديرها وتلفها خارج لبنان. ولا تكمن المشكلة بفكرة الاسترجاع إنما بالكميات الهائلة التي يجب استرجاعها أي التي انتهت صلاحيتها.
احتكارات الأزمة مسترجعات اليوم
المسألة لا ترتبط بأحقية استرجاع الأدوية منتهية الصلاحية وأهمية تلفها خارج لبنان لعدم توفر الآليات الصحية والبيئية السليمة في لبنان لتلف الأدوية، إنما في تعمّد هدر آلاف الأدوية بكل ما تشمل من دولارات ومواد طبية لأسباب يمكن للصيادلة تفاديها في الكثير من الحالات.
وبحسب معلومات "المدن" فإن الصيادلة يصرّون على تطبيق المادة 53 من قانون مزاولة مهنة الصيدلة التي تنصّ على استرجاع كل الادوية منتهية الصلاحيّة وذلك بعد أن تم تعليق العمل بالقانون المذكور خلال الأزمة المالية عندما رفض وزير الصحة السابق مسألة هدر الأدوية في حين أن المواطنين يفتقدون الكثير منها، وقد استند حينها قرار وقف استعادة المرتجعات إلى إلزام الصيدليات بيع ما لديها وعدم احتكار الأدوية كما حصل في سنوات الأزمة.
ويؤكد المصدر أن الشركات المستوردة لم ترفض استرجاع الأدوية منتهية الصلاحية فسياسة الإرجاع معتمدة منذ سنوات وهي تشمل أصنافًا محدّدة، إنما تطلب أن يتم ذلك بكميات معقولة. ويوضح المصدر أنه في حال طلبت كل صيدلية الكميات المقبولة من الأدوية أي تلك التي تحتاجها فقط لما اضطرت لاحقاً إلى إرجاع كميات كبيرة "فالمطلوب فقط حُسن إدارة الأدوية وعدم الاحتكار ولا الإهدار".
وهنا يؤكد مصدر آخر شكوك البعض بأن كميات كبيرة من الأدوية منتهية الصلاحية التي يتم إرجاعها تعود تواريخها إلى سنوات الأزمة ومنها ما يعود إلى صيدليات لطالما طالبت بزيادة الكميات بذريعة النقص، ما يعني أن احتكارات السنوات السابقة لا تزال تتفاعل حتى اليوم.
100 مليون علبة دواء
وبالأرقام فإن الصيادلة يعيدون حالياً نحو مئة مليون علبة دواء منتهية الصلاحية، ما يعني أن ثلث الكميات المستوردة من الأدوية التي خرج في مقابلها مئات ملايين الدولارات إلى الخارج يجب أن يتم إخراجها من جديد لتلفها خارج لبنان، في وقت يعاني فيه آلاف المرضى من عدم القدرة على شراء الأدوية.
ويستورد لبنان سنوياً ما يقارب 300 مليون علبة دواء، 100 مليون منها تنتهي صلاحيتها قبل أن تُستخدم. وإذا استبعدنا فرضية الاحتكار ورفع الأسعار بما يفوق قدرة المرضى على الشراء مع الأخذ بالاعتبار تراجع القدرة الشرائية لدى عموم المواطنين وعجز آلاف المرضى عن شراء الأدوية، رب سؤال حول سبب تسلّم الصيدليات كميات من الأدوية تفوق حجم مبيعاتها أو الأصح سبب وجود ثلث كميات الأدوية المطلوبة في مخازنها وعلى رفوفها وانتهاء صلاحيتها قبل بيعها.
عزة الحاج حسن - المدن