هل يفعلها لبنان ويفتتح مسار بيع قسم من الذهب؟

هل يفعلها لبنان ويفتتح مسار بيع قسم من الذهب؟ -- Sep 09 , 2025 17

تتعدد وجهات النظر في لبنان، وتتناقض بين العديد من خبراء المال والاقتصاد، حول الوجهة الفضلى الواجب سلوكها للإفادة من الارتفاع التاريخي عالمياً لسعر احتياطات الذهب التي يملك لبنان منها نحو 286.8 طنا، ما يضعه في المرتبة الثانية عربيا بعد السعودية.

 

يقدر خبراء قيمة احتياط الذهب الذي يملكه لبنان حاليا، بنحو 31.5 مليار دولار، بعدما زادت قيمته السوقية نحو الثلث تقريبا خلال سنة واحدة (2024-2025)، آخرها ارتفاع قيمته نحو نصف مليار دولار خلال نصف شهر من آب الماضي.



وفيما يعيش اللبنانيون خوفهم المبرر على ذهبهم، يعيش المسؤولون في الدولة لحظة "راوح مكانك"، أمام قرار الإفادة من بيع قسم من الذهب لاستخدامه في إعادة الودائع، في مقابل الخوف من القرار "غير الشعبي" والإقدام على خطوة قد تحرم لبنان تحقيق مزيد من الأرباح في سعر الذهب، بعد توقعات دولية وتكهنات بمزيد من ارتفاع سعره.


مشروع تسييل جزء من الذهب مطروح جديا من بعض الحكومة، لإعادة جزء مهم من الودائع المحتجزة من جهة، وإعادة إنعاش الاقتصاد، ومعالجة الوضعين المالي والنقدي من جهة أخرى.



في المقابل، تسود حالة اعتراض على "البيع" متكئة على فقدان الثقة بالدولة ومؤسساتها، ووجود اقتناع لدى العديد من الخبراء بأن السيولة المطلوبة يمكن الحصول عليها من خلال تصدّي الدولة لمعالجة الفساد المستشري على جميع المستويات في مؤسساتها، والعمل على استثمار أصول الدولة بشفافية واحتراف، وشراكة فاعلة مع القطاع الخاص.


هل يفعلها لبنان ويفتتح مسار بيع قسم من الذهب، ويفتح الباب الذي كان مقفلا منذ نشوء الدولة اللبنانية، أمام أي مشروع للتصرف بأي من أملاك الدولة أو احتياطاتها، ويبقي على "الأصفر الرنان" ويحفظه للأجيال القادمة؟



تسجل الأسواق المالية الدولية بدءا من مطلع أيلول مؤشرات لافتة تتمثل في ارتفاع أسعار المعادن الثمينة كالذهب، والفضة، والبلاتين، والبلاديوم إلى مستويات غير مسبوقة. هذا الإرتفاع لا يمكن فصله عن التغيرات البنيوية في النظام النقدي العالمي، والتي قد تكون مرتبطة بـتبدل التوزان الحاصل بين عمليات العرض والطلب في الأسواق الصناعية، وارتفاع شهية المستثمرين الدوليين على الأصول الصلبة والمتينة كوسيلة للتحوط في مواجهة عدم اليقين.


أمام هذا المشهد العالمي، يقف لبنان بصفته حاملا تاريخيا لاحتياطات ذهبية وازنة، عند تقاطع بالغ الدقة والحساسية بين المخاطر والفرص المتاحة من جهة، وإمكان الإفادة القصوى من هذه التحولات من جهة أخرى، ضمن مبدأ المحافظة على نقاط القوة التي يمتلكها الاقتصاد، وفي مقدمها احتياط الذهب.

 

المتخصص في الرقابة القضائية على المصارف المركزية المحامي الدكتور باسكال ضاهر، لخص الوضع لـ"النهار": "الذهب هو الغطاء الإستراتيجي للاستقرار المالي السيادي، بما يعزز قدرة الدولة على تحسين صورتها الائتمانية ورفع ما يعرف بصدقيتها السيادية. بيد أن الإشكالية هي أن ثمة طروحات تتجه إلى اعتماد خيار تسييل الذهب أو التعاقد عليه بعقود إيجار معقدة".



وفق ضاهر، تتعدد مخاطر تسييل الذهب أو التعاقد عليه ضمن مستويات عدة تتعلق أولا بفقدان الغطاء السيادي، ولا سيما أن بيع جزء منه أو رهنه يعرّض لبنان لفقدان أحد آخر مصادر الثقة الدولية به، وهو ما قد يؤدي إلى خفض إضافي للتصنيف الائتماني. كما أن التأجير المعقد Gold Leasing، وإن كان سيوفر سيولة آنية، إلا أنه سيرتّب التزامات مستقبلية معقدة. وهذه الآلية تحوّل بطبيعتها الذهب من أصل سيادي جامد إلى أداة مالية ذات مخاطر مشتقة، بما يزيد هشاشة الوضع المالي للدولة اللبنانية.


إلى ذلك، يشير ضاهر إلى أن "ثمة مخاطر ناتجة من التسييل في توقيت غير ملائم. فإذا لجأ لبنان إلى البيع أو التعاقد في فترة اضطراب، كما يحصل راهنا أو بأسعار غير مثالية، فسيترجم ذلك بخسارة استراتيجية طويلة الأمد، مقابل مكاسب ظرفية محدودة الأثر".


ماذا يعني الذهب كورقة تفاوضية للبنان؟
الذهب ليس مجرد أصل مالي صلب، بل يمكن استخدامه ورقة تفاوضية في المحافل الاقتصادية والسياسية الدولية، وتحديدا مع صندوق النقد الدولي. هذا الأمر في رأي ضاهر "يمنح لبنان ضمانا سياديا يمكن استخدامه لزيادة الثقة مع المانحين، بما يعزز القدرة التفاوضية السيادية، تماما كما فعلت اليونان خلال أزمتها 2010 - 2015 أثناء تفاوضها مع الاتحاد الأوروبي. وتاليا فإن المحافظة على احتياط الذهب يشكل أداة ضغط غير مباشرة لتحصيل شروط تمويلية أقل قسوة وأكثر ملاءمة".

أمام هذا الواقع، يدعو ضاهر إلى الحفاظ على الذهب كأصل استراتيجي غير قابل للتسييل السريع، باعتباره أداة استقرار لا وسيلة إنفاق ظرفي، وإرساء شفافية مؤسساتية من خلال نشر تقارير دورية حول الاحتياط الذهبي. كذلك يدعو إلى عدم الدخول في عقود تأجير معقدة لأن ذلك سيفقد الدولة السيطرة على جزء من احتياطاتها ويضعها تحت رحمة شروط مالية قاسية، وتنويع أدوات التمويل عبر إصلاحات هيكلية وقمع الفساد وتوقيع اتفاقيات تمويل دولية لتجنب الوقوع في فخ الاعتماد الأحادي على الذهب. والأهم هو توظيف الارتفاع في القيمة السوقية للاحتياط الذهبي كورقة تفاوضية في المحادثات مع صندوق النقد الدولي والجهات المانحة.


سلوى بعلبكي- النهار

أقرأ أيضاَ

لبنان يستعد لإطلاق مؤتمر "بيروت 1" الاستثماري في تشرين الثاني

أقرأ أيضاَ

"المالية" تعيد نشر أرقام ملخص الوضع المالي لسنة 2024 وتكمل لاحقا