مشروع قانون"الفجوة المالية واسترداد الودائع": صراع على توزيع الخسائر -- Dec 17 , 2025 10
كتب محمد وهبة في " الاخبار": كان يُفترض أن يناقش مجلس الوزراء هذا الأسبوع مشروع قانون «الفجوة المالية واسترداد الودائع» خلال جلستين متتاليتين لإقراره وإحالته إلى مجلس النواب، لكن لا يقين بعد بأن الأمر ممكن، ربطاً بالملاحظات التي وردت من
صندوق النقد الدولي والرامية إلى إجراء تعديل جوهري يفرض تصفير رساميل المصارف أوّلاً، وتقليص الأعباء على الدولة ومصرف لبنان في مقابل زيادتها على المصارف. وهذا معناه، أن فريق رئاسة الحكومة الذي أعدّ صيغة المشروع بالتعاون والتشارك مع وزيرَي الاقتصاد عامر البساط، والمال ياسين جابر، ومع حاكم مصرف لبنان كريم سعيد، سجّل أكبر عدد ساعات من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وخلص إلى صيغة لا تتناسب مع الصندوق بشكل جذري، إذ يثير هذا الأمر سؤالاً بشأن مدى جدّية الحكومة، ورغبتها في إقرار مشروع قابل للحياة بمعنى إقراره في مجلس النواب، وقابل للتطبيق العملي تقنياً وقانونياً.
في الواقع سبق للحكومة اللبنانية أن أعدّت أكثر من صيغة لمشاريع قوانين متّصلة وأقرّها مجلس النواب، لكن فجأة ظهرت اعتراضات جذرية عليها من صندوق النقد الدولي. والمثال واضح في القوانين التي أُقرّت بشأن تعديل السرية المصرفية والملاحظات المتكرّرة التي وردت من الصندوق بشأن تعديل التعديلات، ثم تكرّر الأمر في مشروع قانون معالجة أوضاع المصارف، إذ إن الصندوق أرسل أخيراً 28 ملاحظة على هذا القانون، وكأنّه ليس راضياً عن التعديلات التي أُقرّت سابقاً.
من الواضح أن لبنان ليس مُحصّناً ضدّ الضغوط الخارجية بل هو مكشوف بالكامل أمام التدويل، كما أنه لا يمكن إقرار قانون يتعلق بالقطاع المالي من دون «تسوية ما» ذات طابع تقني مع صندوق النقد الدولي، وذات طابع مختلف مع المهيمنين عليه مثل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا أيضاً.
المشكلة في هذا الخيار أن الأولوية فيه ليست للمسألة المالية والمصرفية، بل هي أولوية يربطها الخارج بملف «السلاح»، وهذا ما يقال في الحلقات التقنية الضيّقة إلى جانب الكلام العلني الوارد على ألسنة الموفدين الأميركيين مثل توم برّاك ومورغان أورتاغوس والموفد الرئاسي الفرنسي جاك دو لا جوجي وغيره من المسؤولين الفرنسيين الذين تعاقبوا على الملف منذ الانهيار المصرفي والنقدي إلى اليوم، وصولاً إلى مسؤولي صندوق النقد الدولي المقرّرين ولا سيما في المجلس التنفيذي والموظفين التقنيين وممثّليهم في لبنان. هرمية الأولويات لا تعني أن الكل متّفق على مقاربة واحدة للمعالجة. ففيما يحاول الصندوق فرض تصفير رساميل المصارف وتحميلها الخسائر أولاً، قبل الوصول إلى خسائر المودعين، وقبل تحميل الدولة ومصرف لبنان العبء الأكبر منها، فإن الموفد الرئاسي الفرنسي جاك دو لا جوجي الذي زار أول من أمس عدداً من المسؤولين اللبنانيين، أبلغهم بوجوب «استمرارية القطاع المصرفي» وأردف: «لا نريد إعدامه».
وهو المنطق نفسه الذي يتبنّاه حاكم مصرف لبنان كريم سعيد وأقنع فيه وزيرَي الاقتصاد عامر البساط والمال ياسين جابر، علماً أن البساط يُعدّ مُمثِّلاً لرئيس الحكومة وأن جابر من أشدّ المؤيّدين لعلاقة كاملة وغير مشروطة مع صندوق النقد الدولي.
الواقع اليوم، الذي يمكن قراءته من ملاحظات الصندوق، هو أن الصيغة التي كانت الحكومة تنوي مناقشتها وإقرارها تمهيداً لإحالتها إلى مجلس النواب، تتناقض كلياً مع توجّهات صندوق النقد الدولي. فهل غيّر الصندوق رأيه، أم أن قوى السلطة قرّرت أن تتغاضى عن توجّهات الصندوق وترسم توجّهاتها الخاصة ربطاً باعتبار أن الصندوق لا يفهم «البيئة اللبنانية»؟ يحتاج مشروع قانون تنظيم القطاع المالي واسترداد الودائع، إلى تعديلات جوهرية لضمان انسجامه مع المبادئ الدولية لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، ولإدراج متطلّبات التنفيذ الأساسية بشكل صريح. وتشمل هذه المبادئ زيادة حماية المودعين، واحترام تدرّج حقوق الدائنين، وضمان إعادة هيكلة شاملة ونهائية تشمل المصرف المركزي، مع الحفاظ على استدامة الدين السيادي.
وكتب صلاح سلام في" اللواء": لا مصلحة لأي طرف في لبنان، لا الدولة ولا المصارف ولا المودعين، في انزلاق النقاش القائم حول مشروع قانون الانتظام المصرفي، أو ما يُعرف بقانون «الفجوة المالية»، إلى صدام سياسي أو مالي مفتوح.
فمثل هذه المواجهة، إذا ما حصلت، لن تعني سوى تمديد أمد الانهيار، وتعميق القطيعة بين اللبنانيين ونظامهم المالي، ونسف ما تبقّى من فرص استعادة الثقة الداخلية والخارجية، وهي الثقة التي تُشكّل المدخل الإلزامي لأي مسار تعافٍ جدّي. إن الحاجة الملحّة اليوم ليست إلى تسجيل النقاط بين الحكومة والمصارف، بل إلى الإسراع في إقرار هذا القانون باعتباره حجر الزاوية في إعادة تنظيم القطاع المصرفي وتحديد الخسائر وتوزيعها وفق معايير عادلة وشفافة. فالقانون، بصيغته المتداولة، يفتح الباب أمام الإفراج عن أموال ما يقارب 80 في المئة من المودعين، وهم بمعظمهم من أصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة التي لا تتجاوز المئة ألف دولار، والذين تحمّلوا العبء الأكبر من الانهيار من دون أي ذنب. كما يتيح لبقية المودعين، ولو على مراحل، الحصول على دفعات منتظمة من ودائعهم، بدل إبقائهم أسرى الانتظار المفتوح والغموض القاتل.