هل تتألق الفضة عام 2026 بعد أن عاشت "عصرها الذهبي"؟

هل تتألق الفضة عام 2026 بعد أن عاشت "عصرها الذهبي"؟ -- Dec 23 , 2025 21

كتب موقع "الشرق - بلموبرغ":
شهد عام 2025 خروج الفضة بقوة غير مسبوقة من ظل الذهب، لتتحول من "الأخ الأصغر" التقليدي إلى نجمة مستقلة في أسواق

المعادن النفيسة.

جاءت الارتفاعات السعرية مدفوعة بعوامل هيكلية وصناعية ونقدية وجيوسياسية متراكمة، أعادت تعريف دورها في المحافظ الاستثمارية.

وتفتح هذه التطورات نقاشاً حول مستقبل الفضة في 2026 وما بعدها.


قفزة 2025: لماذا تفوقت الفضة؟
الفضة هذا العام حققت مكاسب تفوقت في كثير من الفترات على الذهب نفسه. حيث ارتفع سعرها بنحو 140% منذ مطلع العام ليناهز 70 دولاراً للأونصة في تداولات اليوم. هذا التفوق أعاد إلى الأذهان سؤالاً قديماً: لماذا ترتفع الفضة أحياناً بوتيرة أسرع من الذهب رغم أنها تُصنّف ضمن المعادن الأكثر تقلباً؟

السبب الأول يكمن في الطبيعة المزدوجة للفضة. فهي ليست فقط ملاذاً آمناً يُستفاد منه في أوقات التوتر المالي وتراجع الثقة بالعملات، بل تُعدُّ أيضاً معدناً صناعياً بامتياز. أكثر من نصف الطلب العالمي على الفضة يأتي من الاستخدامات الصناعية، ما يجعلها شديدة الحساسية لأي توسع في النشاط الاقتصادي أو التحول التكنولوجي.

في 2025، تزامن ذلك مع رهانات متزايدة على خفض أسعار الفائدة العالمية، خصوصاً في الولايات المتحدة. هذه التوقعات أضعفت الدولار ورفعت جاذبية الأصول غير المدرّة للعائد مثل الذهب والفضة. غير أن الفضة، بحكم انخفاض سعرها الاسمي مقارنة بالذهب، بدت أكثر جذباً لشريحة أوسع من المستثمرين الأفراد والمؤسسات الباحثة عن عوائد أعلى ضمن هامش مخاطرة أكبر.

يرى تريفور ييتس، كبير المحللين الاستثماريين في "غلوبال إكس إي تي إف إس" (Global X ETFs)، أن الفضة تسجل اختراقاً نحو قمم تاريخية جديدة مع تسعير الأسواق لبيئة اقتصاد كلي أكثر إيجابية في 2026 وبدعم من توقعات متزايدة بميل الاحتياطي الفيدرالي نحو سياسة أكثر تيسيراً. وأضاف "نتوقع استمرار عجز سوق الفضة العام المقبل، مدفوعاً بانتعاش الطلب الصناعي، واستمرار قوة الطلب من قطاع الطاقة الشمسية، مقابل نمو محدود في جانب المعروض"، بحسب "بلومبرغ".

دور السياسة النقدية: الفائدة والدولار
لم يكن من الممكن فهم صعود الفضة في 2025 دون النظر إلى السياسة النقدية العالمية. الأسواق دخلت العام وهي تراهن على بداية دورة تيسير نقدي بعد فترة طويلة من التشديد، في ظل تباطؤ النمو وارتفاع كلفة الاقتراض.

ومع كل إشارة تصدر عن البنوك المركزية توحي بقرب خفض الفائدة، كانت الفضة تستجيب بسرعة. انخفاض العوائد الحقيقية على السندات يقلل من كلفة الفرصة البديلة لحيازة المعادن النفيسة، ويعزز الطلب الاستثماري عليها، وفي الوقت نفسه، أي ضعف في الدولار الأميركي ينعكس مباشرة على أسعار الفضة المقومة به، ما يضيف زخماً إضافياً للارتفاع.

الطاقة الشمسية: محرك صعود صامت
من أبرز العوامل الهيكلية التي دعمت أسعار الفضة هذا العام، الطلب المتسارع من قطاع الطاقة الشمسية. فالفضة عنصر أساسي في تصنيع الخلايا الكهروضوئية، ومع التوسع العالمي في مشاريع الطاقة النظيفة، ارتفع الاستهلاك الصناعي بوتيرة فاقت التوقعات.

لم يعد التحول الطاقي مجرد شعار سياسي، بل أصبح مساراً استثمارياً ضخماً تدعمه حكومات وشركات كبرى. هذا الواقع خلق طلباً طويل الأجل على الفضة، مختلفاً عن الطلب الاستثماري قصير الأجل، وأكثر استقراراً في تأثيره على الأسعار.

شح المعروض: ضغط من جانب الإنتاج والمخزونات
في مقابل الطلب القوي، واجهت السوق قيوداً واضحة على جانب المعروض. إنتاج الفضة غالباً ما يكون منتجاً ثانوياً لاستخراج معادن أخرى مثل النحاس والزنك، وهذا يعني أن زيادة المعروض ليست سهلة أو سريعة الاستجابة لارتفاع الأسعار.

زاد من حدة الضغوط التراجع التاريخي في مخزونات الفضة ببورصة لندن خلال فترات من 2025، ما أعطى إشارات واضحة على شح الإمدادات الفعلية. مثل هذه المؤشرات عادةً ما تثير قلق المستثمرين الصناعيين، وتدفعهم إلى تأمين احتياجاتهم مسبقاً، وهو ما يخلق حلقة تغذية عكسية تدفع الأسعار إلى الأعلى.

التحذيرات: تقلبات ومخاطر كامنة
رغم الأداء القوي، لم تخلُ السوق من تحذيرات. الفضة معروفة بتقلباتها الحادة، وصعودها السريع خلال الأشهر الأخيرة أثار مخاوف من تصحيحات محتملة. وقد حذر بعض المحللين من أن جزءاً من الارتفاع قد يكون مدفوعاً بتدفقات مضاربية، لاسيما من المستثمرين الأفراد الذين ينجذبون إلى التحركات القوية والسريعة.

كما أن أي تغير مفاجئ في مسار السياسة النقدية -مثل تأجيل خفض الفائدة أو عودة التضخم للارتفاع- قد ينعكس سلباً على الأسعار. لذلك، بدا واضحاً أن الفضة في 2025 كانت فرصة كبيرة، لكنها لم تكن خالية من المخاطر.

مقارنة تاريخية: هل تقترب الفضة من قمم قياسية؟
أعاد صعود الأسعار فتح النقاش حول إمكانية تجاوز الفضة قممها التاريخية المسجلة في فترات استثنائية، كان أبرزها مطلع الثمانينيات خلال أزمة الأخوين هانت. ورغم اختلاف السياق كلياً، فإن بعض المحللين رأوا أن العوامل الهيكلية الحالية -خاصة الطلب الصناعي- تمنح الارتفاع الحالي مصداقية أكبر مقارنة بفقاعات تاريخية سابقة.

مع ذلك، يبقى تجاوز تلك القمم رهناً بتوازن دقيق بين الطلب الاستثماري والصناعي، واستمرار الضغوط على المعروض، إضافة إلى بيئة نقدية داعمة.

سيناريوهات 2026: ثلاثة مسارات محتملة
مع اقتراب 2026، تتجه الأنظار لتراقب ما إذا كانت الفضة قادرة على الحفاظ على مكاسبها أو حتى توسيعها. ويمكن تلخيص التوقعات في ثلاثة سيناريوهات رئيسية:

السيناريو الإيجابي: دورة صعود ممتدة

في هذا السيناريو، تبدأ البنوك المركزية فعلياً خفض أسعار الفائدة، ويتراجع الدولار، بينما يستمر التوسع في مشاريع الطاقة المتجددة. وإذا تزامن ذلك مع استمرار شح المعروض، فقد تشهد الفضة موجة صعود جديدة، وسط احتمالات أن تسجل مستويات لم تُسجلها منذ عقود.

السيناريو المتوازن: استقرار مع تقلبات

في هذا السيناريو، قد تحافظ الفضة على مستويات مرتفعة نسبياً، لكنها تبقى في نطاق تداول عرضي. سيظل الطلب الصناعي داعماً، لكن غياب محفزات نقدية قوية يحد من الارتفاعات الحادة. يُعد هذا السيناريو الأكثر ترجيحاً لدى كثير من المؤسسات المالية، لأنه يعكس توازناً بين العوامل الداعمة والمخاطر.

السيناريو السلبي: تصحيح مؤلم

في حال عاد التضخم للارتفاع أو تأخرت تخفيضات الفائدة، قد تتعرض الفضة لضغوط تصحيحية، خصوصاً إذا تراجعت التدفقات الاستثمارية. وفي هذا السيناريو، تكون الخسائر أكبر من نصيب المستثمرين الذين دخلوا السوق عند قمم الأسعار، ما يعيد التذكير بطبيعة الفضة عالية المخاطر.

الفضة في المحافظ الاستثمارية: كيف ينظر إليها المستثمرون؟
أحد الدروس الأساسية من 2025 هو أن الفضة لم تعد مجرد أداة تحوط تقليدية، بل أصبحت أصلاً هجيناً يجمع بين خصائص الملاذ الآمن وأداة النمو الصناعي. هذا الدور المزدوج يجعلها جذابة، لكنه في الوقت نفسه يزيد من تعقيد تقييمها.

قد ينظر المستثمرون طويلو الأجل إلى الفضة كرهان على التحول الطاقي والاقتصاد الأخضر، في حين يراها المضاربون فرصة للاستفادة من التقلبات الحادة. وبين هذين الطرفين، تبقى إدارة المخاطر عاملاً حاسماً.

ارتفاع أسعار الفضة في 2025 لم يكن حدثاً عابراً، بل نتيجة تفاعل عميق بين السياسة النقدية، والتحول الصناعي، وشح المعروض. ورغم أن الطريق إلى 2026 مليء بالسيناريوهات المتباينة، إلا أن المؤكد هو أن الفضة استعادت مكانتها كأحد أكثر الأصول إثارةً للاهتمام في الأسواق العالمية.

السؤال لم يعد ما إذا كانت الفضة ستظل مهمة، بل كيف سيتعامل المستثمرون مع معدن يجمع بين الفرصة والمخاطرة في آن واحد. في عالم يتغير بسرعة، قد تكون الفضة مرآة دقيقة لتحولات أوسع في الاقتصاد العالمي، من غرف البنوك المركزية إلى حقول الطاقة الشمسية. 
 

أقرأ أيضاَ

مع تراجع عوائد السندات.. الأسهم اليابانية ترتفع

أقرأ أيضاَ

وسط تحذيرات يابانية من تدخل رسمي.. تأرجح في سعر الين