سباق بين قانون الفجوة والسلاح -- Dec 23 , 2025 22
كتب عماد شدياق في نداء الوطن - يتواصل الجدل حول قانون الفجوة المالية الذي سُرّب مؤخرًا في الإعلام، وقيل إن صندوق النقد الدولي غير راضٍ عنه، قد وضع جملة من الملاحظات عل بعض مضمونه، على طريقة رضي القتيل ولم يرض القاتل. وفيما يُنتظر أن توزع نسخة مشروع القانون على الوزراء لمعرفة ما إذا كان سيُطرح على التصويت في أولى جلسات الحكومة المقبلة قبل عطلة الأعياد، ثمة نصائح بدأت تدور في الأروقة الدبلوماسية والسياسية تفيد بأن مصلحة لبنان تكمن في تأجيل أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي إلى ما بعد البت بمسألة سلاح "حزب الله" وليس قبل ذلك. باعتبار أن الوصول إلى خواتيم ناجعة في ملف السلاح سوف يفتح أبواب المساعدات أمام لبنان، وستتلاشى الضغوط التي تمارس على السلطة "بسحر ساحر"... وعندها سوف تكون شروط الصندوق أخفّ وطأة.
البعض يعتبر أن هذه النظرية ليست دقيقة، باعتبار أن الصندوق يخشى تقديم التنازلات للحكومة اللبنانية بذريعة انه خائف مما ينتظره من أزمات اقتصادية مشابهة لتلك التي يعاني منها لبنان، في العديد من الدول النامية. خصوصًا أن الاقتصاد العالمي على مشارف أزمة كبيرة "مقنعة" وخفية، قد تنفجر في أي لحظة.
مع الإشارة هنا، إلى أن هذا الخوف تعتبره أوساط متابعة مصطنعًا، لأن أزمة لبنان لا تشبه الأزمات التي يتحدث عنها الصندوق. أزمة لبنان نظامية بكل المعايير والمواصفات، وباعتراف واضح وصريح من رأس السلطة المالية، الوزير ياسين جابر، ورأس السلطة النقدية حاكم مصرف لبنان كريم سعيد.
وترى هذه الأوساط أن الصندوق يتذرّع بأنه لا يريد تسجيل سابقة، لأنه يعرف أن هذا النوع من الأزمات لا تمكن معالجته وفق معايير الأزمات المصرفية.
لكن بالعودة إلى نصّ القانون والتسريبات، يمكن القول إن لا شيء ثابتاً حتى اللحظة، على الرغم من الإيحاءات التي كانت تشير مطلع الأسبوع إلى أن إقرار قانون الفجوة بات على "قاب قوسين أو أدنى"، إلا أن الخلافات أعادت نسف كل هذا التفاؤل.
وفي هذا الصدد، يقول خبير المخاطر المصرفية محمد فحيلي لـ"نداء الوطن" إن النقاش حول قانون الفجوة المالية المسرّب وكذلك التسريبات التي نُشرت حول ملاحظات قيل إنها صادرة عن صندوق النقد الدولي "تجري فوق أرض رخوة". إذ لا توجد حتى الآن وثيقة رسمية منشورة على موقع صندوق النقد الدولي تتناول حرفيًا الملاحظات التي وردت في النص المسرّب. بينما المتداول هو تقارير إعلامية عن ملاحظات وأسئلة قيل إن فريق الصندوق طرحها خلال اجتماعات تقنية حول المسودة.
يرى فحيلي أن أهم ما في التسريبات، ليس لأنها تحمل مفاجآت، بل لأنها تكشف "نقاط الاحتكاك الحقيقية" بين منطقين.
أولى نقاط الاشتباك تتعلق بحسب فحيلي، بتعريف المستفيد من "الحد الأدنى المضمون": هل تُحتسب الحماية على أساس "المودع الواحد" عبر كل المصارف (أي تجميع حساباته وحصصه في الحسابات المشتركة)، أم على أساس "الحساب في كل مصرف" (أي أن السقف يطبّق داخل كل بنك على حدة)؟
النقطة الثانية، وهي الأكثر حساسية، ترتبط بما يسمى تراتبية الحقوق، أي القاعدة التي تقول إن الخسائر تُحمَّل وفق تسلسل قانوني يبدأ برأس المال والمساهمين قبل أن يصل إلى الدائنين، ومن بينهم المودعون. وفق ما نُقل، يعتبر الصندوق أن أيّ صياغة تُفضي عمليًا إلى تحميل الودائع خسائر قبل استنفاد رساميل المساهمين بالكامل تُعد مخالفة لهذه التراتبية. وهذا ليس تفصيلًا تقنيًا.
لكن هذا المنطق الذي يعتمده الصندوق ترد عليه أوساط مصرفية، بأنه إذا كان لا بد من تطبيق هذا المعيار، يجب البدء بمصرف لبنان وتصفير رساميله وسيولته لأن الفجةة قائمة في المركزي وليست في المصارف. وهناك أوراق بحثية في الصندوق متخصصة بمعالجة أزمات البنوك المركزية، فلماذا لا يعتمدها الصندوق؟
ثم تأتي النقطة الثالثة التي تُظهر بحسب فحيلي، أن النقاش لم يعد محصورًا في "من يدفع"، بل في "من استفاد وكيف نثبت ذلك". وبحسب ما نُقل عن الصندوق، أنه يريد نصًا صريحًا يحدد نطاق تدقيق واضح لتتبع أرباح غير نظامية تعود لما قبل العام 2019، وقد ذُكر في هذا السياق شمول عمليات "الهندسات المالية".
يختم فحيلي بالقول: تصل التسريبات أخيرًا إلى "بيت القصيد"، الذي غالبًا ما يُدار حوله الكلام من دون تسميته، وهو: رسملة مصرف لبنان. إذ نُقل أن الصندوق لا يرى ضمانًا كافيًا لإعادة رسملة المصرف المركزي، ولا لتأمين إيرادات تغطي نفقاته وتحافظ على احتياطياته بما يسمح له بأداء مهامه. وبذلك فإن مصرفًا مركزيًا برأسمال سلبي مزمن، وموجودات متهالكة، يصبح في نظر فحيلي "جزءًا من المشكلة لا أداة من أدوات الحل".
لأنّ أي سياسة نقدية أو تنظيم مصرفي أو إدارة سيولة ستبقى رهينة فجوة داخل ميزانيته. ومن هنا أيضًا يعتبر فحيلي أن الجدل المتكرر حول دين الدولة للمصرف المركزي يعود ليظهر مجددًا، خصوصًا السؤال عما إذا كانت الدولة ستعترف بهذا الدين وكيف.
وبناء على ما تقدم كله، يصبح السؤال المشروع: "هل نرضي الصندوق، ولو من خلال ظلم الناس مرتين، وضرب القطاع المصرفي برمته، والتسبّب بإعاقة لاقتصادنا الوطني لسنوات طويلة إلى الأمام؟