"معالجة أوضاع المصارف": قانون في خدمة "النموذج"

"معالجة أوضاع المصارف": قانون في خدمة "النموذج" -- May 22 , 2025 3

جال رئيس بعثة صندوق النقد إلى لبنان فريديريكو ليما على المسؤولين في لبنان وأبلغهم بملاحظات الصندوق على مشروع قانون المعالجة لأوضاع المصارف الذي يناقش الآن في لجنة فرعية من لجنة المال والموازنة.


اللافت أن الصندوق سبق أن اطّلع على المشروع الذي أعدّته وزارة المال بالتنسيق مع الصندوق، ما يثير التساؤل عمّا إذا كانت الحكومة امتنعت عن الأخذ بملاحظات الصندوق قبل إعداد المشروع، أم أن الصندوق نصب لها فخّاً وقعت فيه. وبمعزل عن هذا السلوك، فإن ملاحظات الصندوق تصيب جوهر المشروع، علماً أنها في جانب منها ليست ملاحظات فحسب بل تتصل بفرض شروط محدّدة بتوزيع الصلاحيات وبتوجيه المشروع لتطبيق الإملاءات التي يرغب الصندوق بفرضها على لبنان، وهي تختلف جوهرياً عن الملاحظات التي قدّمها حاكم مصرف لبنان كريم سعيد للجنة المال والموازنة النيابية.

ملاحظات مصرف لبنان التي أعدّها ثلاثة محامين هم نصري دياب وبديع مكرزل وإيلي شمعون استهدفت مسألة أساسية هي استقلالية مصرف لبنان، بمعنى أنها ركّزت على البنية السياسية لوجود مصرف لبنان وتراتبيته فيها بما في ذلك هيمنته على الرقابة المصرفية، بينما أصابت ملاحظات الصندوق بشكل موضوعي أساس عمل مشروع القانون وآلياته انطلاقاً من قواعد يتّبعها أو يحاول أن يفرضها الصندوق على كل الدول التي يتعامل معها.

تسعى ملاحظات الصندوق إلى تعديل مشروع القانون وفقاً للمسار الذي يرغب فيه حصراً للتعامل مع الأزمة، إلا أنه رغم أهميتها لا يمكن حصر النقاش بما يقوله الصندوق، وبما يقوله الحاكم، ولا سيما أن لكلّ منهما هدفاً. فمجموعة المصالح التي يمثّلها الحاكم اليوم، لا تريد أي علاقة مع الصندوق، بينما يقدّم الصندوق ملاحظات تقنية بخلفية سياسية ساعية إلى الهيمنة الدائمة على القرار المالي في لبنان.


وهذا الأمر محل انقسام بين قوى السلطة؛ فمجموعة رئيس الحكومة نواف سلام تريد اتفاقاً سريعاً مع الصندوق بالشروط المفروضة، في مقابل قوى أخرى مثل رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي يربط جدوى النقاش في المشروع المُحال من الحكومة لمعالجة أوضاع المصارف بمشروع إعادة التوازن المالي المسمّى «قانون الفجوة» أو قانون «توزيع الخسائر».

حجم التناقض والاختلاف في الأهداف والغايات كبير إلى درجة أن التمييز بين ملاحظات الصندوق وملاحظات الحاكم صعب جداً في ظل غياب جهة مستقلّة عن تقديم رأي سياسي - قانوني - تقني معزول عن الأهداف والغايات للطرفين. وسينعكس هذا الاختلاف في المشروع الأساسي لتوزيع الخسائر الذي يُعدّ كرة نار؛ قبل أسابيع قال وزير المال إن إعداد مشروع قانون التوازن المالي أو كما يُسمّى «الفجوة» هو من اختصاص مصرف لبنان، ولكنّ الأخير قال إنه مستشار للحكومة، أي إنه قد يُعدّ مسوّدة تقنية للمشروع ولكنّ القرار ليس من اختصاصه.

الصراع بين حزب الصندوق وحزب المصرف مستقرّ على حاله، مع بعض التبدّل في موازين القوّة. الخارج أصبح أقوى وأكثر جرأة في التعامل مع الملفات اللبنانية، والداخل أصبح أكثر تشدّداً في التعامل مع ملفاته الداخلية. لذا، لا يُتوقّع أن يدخل العلاج المتأخّر ست سنوات للأزمة، في مسار سريع اليوم. ولا يُتوقّع أن تكون التسوية مرتقبة، والتي يشكّل مشروع القانون المُحال على المجلس النيابي جزءاً منها، من منظور اقتصادي واضح لمستقبل السياسة والاقتصاد والقطاعات، بل هي اليوم أقرب لتكون على طريقة «استئناف» ما توقّف في عام 2019 رغم كل التشوّهات الإضافية التي أصابت نموذج الاقتصاد السياسي للبنان.


صندوق النقد: توسيع صلاحيات لجنة الرقابة

قدّم صندوق النقد الدولي ملاحظاته على مشروع قانون معالجة أوضاع المصارف، على مرحلتين؛ الأولى كانت عبارة عن مجموعتين من الملاحظات، والثانية كانت اقتراحات.

في رأيه «يجب التعامل مع كل وديعة بناءً على ترتيبها القانوني داخل كل مؤسسة مالية على حدة»، أي إن ما ورد في مشروع القانون لجهة تجميع كل حسابات العميل في كل المصارف واعتبارها حساباً واحداً يخفّض قيمة التعويض ويخرق مبدأ «عدم الإضرار بأي دائن»، لأن كل حساب لعميل في كل مصرف، هو مستقلّ عن الآخر.

ومن المسائل الأساسية التي وردت في هذه الملاحظات، أنه من الضروري استبعاد أي ممثّل للمصارف أو للحكومة من الهيئة المصرفية العليا التي ستتخذ القرار بإخضاع المصرف للإدارة المؤقّتة أو التسوية أو تركه للاستمرار، وفي هذا الإطار لا يمكن أن يكون رئيس الهيئة الوطنية لضمان الودائع ضمن هذه الهيئة ما دام أنه يُعيَّن من مجلس إدارة تسيطر عليه المصارف، كما إن الخبراء لا يفترض أن تقترحهم الحكومة كما ورد في مشروع القانون المُحال إلى لجنة المال والموازنة. وفي هذه الهيئة، يجب ألا تُتخذ القرارات بغالبية أربعة أعضاء بل بالغالبية مع «منح رئيس المجلس حقَّ كسر التعادل» كما يقول الصندوق. أيضاً «ينبغي توسيع وتوضيح أدوات الحل وصلاحيات السلطة، مع تمكين مصرف لبنان أو الهيئة المختصة من وضع التعليمات التفصيلية لكيفية ممارسة هذه الصلاحيات».


أيضاً يجب ألا يُسمح للمصارف بالاعتراض على التقييم المستقل وطلب إجراء تقييم ثانٍ قبل بدء إجراءات الحلّ لأن ذلك «ينحرف عن أفضل الممارسات الدولية»، بينما تحصل المصارف على حقّ الاستئناف المحصور في حالات الأخطاء الجوهرية البادية للعيان. ويجب أن «يقتصر نطاق الطعن على قانون القرار من دون التدخّل في السلطة التقديرية والتقنية للهيئة المصرفية العليا».

ويفترض الصندوق أن يكون معيار الفشل واضحاً، وليس كما هو عليه في مشروع القانون الذي يمكن تفسيره، كما يشير الصندوق، إلى أنه من الضروري تحقّق كل المعايير معاً لتحقّق الفشل المصرفي، علماً أن المشروع «لا يتضمن أحكاماً موضوعية حول التصفية (كآثارها على العقود - لجهة تعليق التنفيذ، استحقاق الديون غير المستحقّة، تحويل المطالبات غير النقدية إلى نقدية، إمكانية إبطال المعاملات المشبوهة أو فسخ العقود التي لا تصبُّ في مصلحة التصفية)، لذا يمكن اتّباع نهجين: إما صياغة قواعد خاصة للجوانب الموضوعية؛ أو الإحالة إلى أحكام قانون الإفلاس العام مع التعديلات الضرورية».

أما بخصوص إلزام المصارف بضخّ الرساميل أو السيولة، فإن هذا الأمر لا يمكن أن يتم من دون احتساب الخسائر غير المحقّقة تجاه مطلوباتها على مصرف لبنان (هذا الأمر تحديداً ورد في مشروع القانون باعتبار أنه سيُدرس لاحقاً في مشروع قانون الفجوة لأنه يتعلق بتوزيع خسائر المصارف من توظيفاتها لدى مصرف لبنان). كذلك، يقول الصندوق إنه يجب توضيح مسألة وردت في مشروع القانون لجهة سنّ قانون لا يحدّد مدى سريان أحكامه بالنسبة إلى القوانين الأخرى حتى لا يكون هناك أي تعارض مع هذه القوانين وتراتبيتها مع القانون الجديد.


ويذكر الصندوق أن توسيع مظلّة الاستثناءات للودائع «يخلّ بحقوق الدائنين الآخرين»، ولو أن بعض الدول منحت «أولوية للضرائب والاشتراكات الاجتماعية». ويشجّع الصندوق فكرة تحويل الدين إلى رأس مال «Bail In» ويحضّ على إدراجها في القانون، على أن تُمنح صلاحية للهيئة المصرفية العليا لزيادة أو خفض قيمة حقوق الدائنين وفقاً للضرورة.

ويقترح أن يحصل المدير المؤقّت على صلاحيات مجلس الإدارة والجمعية العمومية أيضاً، ويُعيّن لمدة زمنية وتكون قراراته خاضعة لنطاق محدد.

واقترح الصندوق «إطاراً تنظيمياً أقوى» مع أنه يقرّ بأن الاستراتيجية المتعلقة باعتماد قوانين منها قانون الفجوة المالية، هو أمر يُقر لاحقاً.

لكنه يعتقد بأن الإطار يجب أن يتضمن إعطاء الأولوية لحماية المودعين، وأنه يجب منح لجنة الرقابة على المصارف صلاحيات أوسع في تقرير أوضاع المصارف، ويعتبر أنها ذراع تنفيذية لمصرف لبنان، وأن يسمح بالتعاون مع السلطات الأجنبية، وأن يكون المقيمون مستقلين وخارجيين تحت إشراف لجنة الرقابة، وأن يسري القانون على المصارف الأجنبية العاملة في لبنان والمصارف اللبنانية وفروعها في الخارج.

محمد وهبة - الاخبار

أقرأ أيضاَ

بيان لمصرف لبنان... إليكم تفاصيله

أقرأ أيضاَ

للمستفيدين من تسديد القروض: إطمئنوا فلا قوانين بمفعول رجعي