الغاز في لبنان كافٍ… والتخزين العشوائي يربك السوق -- Jun 20 , 2025 35
في ظلّ تصاعد التوترات الاقليمية وتزايد احتمالات توسّع رقعة الحرب بين إيران وإسرائيل، تزداد المخاوف من أزمة طاقة قد تكون الأشدّ منذ سنوات، لا سيّما مع خطر انقطاع إمدادات الغاز. فإقفال الممرات البحرية الاستراتيجية يهدد بتعطيل حركة البواخر والقوافل، ما يضع لبنان أمام سيناريو قاتم: هل يملك ما يكفي من المخزون لتأمين حاجات السوق المحلية في حال توقفت الامدادات فجأة؟ تساؤلات للعديد من المواطنين حول مصير مادة الغاز المنزلي، ومدى احتمالية هذه الأزمة في هذا القطاع الحيوي.
موقع “لبنان الكبير” التقى أحد موزّعي الغاز في العاصمة بيروت، والذي يواكب يومياً حركة السوق ويحتك مباشرة بالناس، فأوضح أن “الوضع حتى الساعة لا يزال طبيعياً، ولا نواجه أي خلل في التوزيع أو تراجعاً في الطلب، لكن الأجواء العامة بدأت تتأثر بالأوضاع القائمة وهذا بدا واضحاً ليس في هذا القطاع انما في أمور اخرى، وينعكس تدريجاً على سلوك الزبائن”.
وأشار الى أن “بعض الناس بدأ يتصرف بتحسب في الأيام الأخيرة، يطلب كميات إضافية، أو يسأل إن كان من الأفضل تأمين قارورة غاز احتياطاً. هذا النوع من الأسئلة لم نكن نسمعه قبل أسبوع، واليوم صار شبه يومي”.
وأضاف الموزّع: “أنا في هذا المجال منذ سنوات، وأعرف كيف يتغيّر السوق عندما يدخل الخوف إلى تفكير الناس. مجرد الشعور بوجود تهديد، حتى لو لم يكن هناك شيء فعلي على الأرض، يكفي ليغيّر الإيقاع. وهنا التحدّي، لأن الاستجابة العشوائية من الناس يمكن أن تشكل ضغطاً نحن بغنى عنه”.
وحول تحدّيات المهنة في هذا الظرف، قال: “الضغط لا يكون دائماً من نقص المادة، أحياناً يأتي من طريقة تعامل الناس، من كثافة الاتصالات، من استعجال التوصيل، أو حتى من الخوف غير المبرر. وهذا يتعبنا كموزّعين، خصوصاً عندما يكون الطلب خارجاً عن النمط المعتاد”.
زينون: المخزون كاف
وفي حديث لموقع “لبنان الكبير”، أكد رئيس نقابة موزّعي الغاز فريد زينون أنّ الأمور لا تزال تحت السيطرة، مشيراً إلى أن المخزون كافٍ، لكن الوقاية والتخزين المدروس واجبان لتجنّب أي ارتباك شعبي.
وقال زينون: “نحن في فصل الصيف، حيث الطلب على الغاز ينخفض بصورة طبيعية، إذ إن استهلاك القارورة الواحدة في المنازل يمتد بين عشرين يوماً وشهر، خصوصاً أن الاستخدام يكون محصوراً بالطهو والمياه الساخنة. وبالتالي، إذا بادر كل مواطن إلى تعبئة القوارير الموجودة لديه وعدم الانتظار حتى نفادها، فلن نواجه أي مشكلة تُذكر”.
وأشار الى أن “خزانات الغاز الكبيرة في لبنان مليئة حالياً، والبواخر تصل بصورة متتالية ومنتظمة. وطالما أن الممرات البحرية لا تزال مفتوحة، فإن الاستيراد ستمر، والوضع تحت السيطرة تماماً”.
ماذا لو أقفل البحر؟
وحول المخاوف من التصعيد الاقليمي، أوضح زينون “أننا مررنا في السابق بأزمات أمنية كبيرة، ولم نشهد يوماً انقطاعاً كاملاً في الغاز. حتى عندما استهدف مضيق هرمز بالصواريخ، تم تحويل مسارات البواخر إلى ممرات بديلة، ولم تتأثر السوق اللبنانية”، مضيفاً: “أما في حال حصل إقفال كامل للبحر، نتيجة اندلاع حرب شاملة أو تصعيد واسع النطاق، فمن الطبيعي أن نتأثر. لكن في المقابل، إذا كانت الأسر والمحال والمطاعم قد خزّنت كميات احتياطية، وعبّأت القوارير والخزانات الموجودة لديها، فإننا نستطيع الصمود لشهرين أو حتى أكثر، ريثما تتضح صورة التطورات”.
انقطاع مفاجئ؟
وعما يُشاع عن “الانقطاع المفاجئ”، شدد زينون على أن “لا وجود لانقطاع مفاجئ. كما ذكرنا حالياً لدينا مخزون يكفي لمدة شهرين على الأقل، والكمية موجودة. المشكلة ليست في الغاز بحدّ ذاته، بل في سلوك المواطنين. عندما يهمل البعض تعبئة القوارير ويؤجل ذلك إلى اللحظة الأخيرة، وتنتشر الشائعات أو الخوف، قد يؤدي هذا إلى أزمة مصطنعة”.
المخزون الموجود اليوم يكفي لشهرين، لكن لماذا تكون هذه الكمية محدودة دائماً ضمن وقت صغير أي شهر أو شهرين في بلد محصور ومعرض ضمن منطقة جغرافية وأحوال أمنية مهددة في أي لحظة بانفجار؟ رأى زينون أن “هذا الأمر يتطلب دراسة مفصّلة، وسعة تخزين كبيرة، وأيضاً رأسمال ضخم. من سيموّل هذه الكميات؟ المسألة ليست بهذه السهولة. نحن نقول إنّ المواطنين إذا التزموا بتعبئة القوارير، ومع امتلاء الخزانات الكبيرة، فسنتمكن من الاستمرار، حتى لو توقفت البواخر لفترة محدودة”.
واعتبر أن “اقفال البحر لخمسة أشهر متتالية ليس منطقياً، لكن، في حال حدث ذلك، فالمطلوب أن تكون الدولة قد وضعت خطة طوارئ شاملة، لا تشمل الغاز فقط، بل أيضاً كل المواد الأساسية من محروقات ومواد غذائية ودواء، لكي يشعر المواطن بالحدّ الأدنى من الأمان”.
ونصح العائلات بـ”تأمين قارورة احتياطية في منازلها، وأن تقوم المتاجر والسوبرماركت بتعبئة القوارير لديها، بما يخلق نوعاً من التوازن العام في السوق، ويضمن استمرار التوزيع حتى في حال تأخرت الشحنات لفترة قصيرة”.
“التحوط واجب.. من دون هلع”
وختم زينون حديثه برسالة إلى المواطنين اللبنانيين قائلاً: “لا نريد إثارة الهلع. نحن في لبنان مررنا بمئات الأزمات، وهذه ليست المرة الأولى. لكن المطلوب أن نبقى حذرين ومتيقظين. الجهوزية خير من الطمأنينة الزائفة. الوضع حالياً هادئ، لكن التحوّط يبقى مسؤولية جماعية، تبدأ من المواطن، وتُستكمل بدور الدولة وخططها”.