قطر تُشعل أمل الكهرباء في صيف لبنان الساخن -- Jul 03 , 2025 12
في صيفٍ لبنانيٍّ يكاد يختنق من حرارةٍ لاهبة وانقطاعٍ مزمنٍ للكهرباء، برز خبرٌ من الدوحة كمنفذٍ محتملٍ للخروج من نفقٍ استمرّ أكثر من عقدين: فقد أعلن أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس الحكومة اللبنانيّة نواف سلام، في 24 و25 حزيران 2025، عن "مسارٍ تقنيّ–ماليّ" يمهّد الطريق لإنشاء محطةٍ كهرباء تعمل بالغاز الطبيعي، وتوفير شحنات غازٍ عاجلة لتلبية الاحتياجات خلال فصل الصيف. ويأتي هذا الإعلان في سياق تحوّلٍ استراتيجي يشمل قطاع الطاقة اللبنانيّ ولعبة النفوذ السياسيّ والاقتصاديّ على امتداد الساحل الشرقي للبحر المتوسّط، حيث تسعى الدوحة إلى تأكيد دورها كلاعبٍ محوريٍّ من خلال بناء قوسٍ من المصالح والاستثمارات يمتدّ من قطر مرورًا بلبنان وسوريا وصولًا إلى قبرص.
تفاصيل العرض القطري
يرتكز العرض القطريّ على محورين رئيسيّين، وفق البيان المشترك الصادر عن الدوحة:
-توفير شحناتٍ فوريةٍ من الغاز أو الفيول لمحطّتي دير عمار والزهراني، ما يسمح برفع التغذية الكهربائية خلال ذروة الصيف إلى نحو ثماني ساعاتٍ يوميًا؛ وهو إنجازٌ استثنائيٌّ في ظلّ الأزمة الراهنة.
-بناء محطةٍ جديدةٍ تعمل بالغاز بنظام الدورة المركّبة CCGT بقدرةٍ تتراوح بين 600 و700 ميغاواط، بنظام Build-Own-Operate لمدّة 25 عامًا. وقد حدّدت فترةٌ من ستة إلى تسعة أشهر لاختيار الموقع النهائي بين "دير عمار 2" و"الزهراني 2". ولضمان التنفيذ، تقترح الدوحة هيكلًا تمويليًا مزدوجًا: مساهمةً رأسماليةً من QatarEnergy، وقرضًا بفائدة شبه ميسّرة من صندوق قطر للتنمية QFFD، مقابل اتفاق شراء طاقةٍ طويل الأمد مع مؤسّسة كهرباء لبنان.
بحسب الخبير الدوليّ ورئيس"Energy & Environment Holding" رودي بارودي، تمثّل هذه الصيغة حلًّا مستدامًا، إذ يتوقّع أن يتراوح حجم الحزمة التمويلية الأولية بين 300 و500 مليون دولار لمحطّة بقدرة 400–500 ميغاواط. وأوضح بارودي لــ"المدن" أنّ "هذا التمويل قد يكون على شكل قرضٍ ميسّر عبر صندوق قطر للتنمية لتمويل بناء محطةٍ لتوليد الكهرباء بالغاز الطبيعي، أو على شكل استثمارٍ مباشرٍ عبر قطر للطاقة"، لافتًا إلى أنّ قطر ستتحمّل مخاطر البناء والتشغيل والتصميم، فيما تقع على عاتق الحكومة اللبنانية مسؤولية توفير الأرض وضمان شراء الطاقة ومخاطر المناخ السياسيّ وأعباء الجباية.
القدرة الإنتاجية والموقع وخيارات الإمداد بالغاز
ولدى سؤاله عن القدرة الإنتاجيّة المرجّحة للمحطة؟ وأين يخطّط لإقامتها؟ وهل ستعتمد على الغاز المستورد عبر وحدات FSRU أم على إنتاجٍ محتملٍ من البلوك 9 لاحقًا؟ يجيب بارودي: "من المرجّح أن تتراوح القدرة الإنتاجية للمحطة بين 400 و500 ميغاواط، مع الاعتماد على الغاز الطبيعي المستورد عبر خط الأنابيب الذي يربط منشآت حمص السورية بمحطة البداوي، على أن يتزوّد من خطٍّ آخر آتٍ من الأردن إلى جنوب دمشق عبر خط الغاز العربي".
ولتحسين كفاءة التوليد وخفض تكلفة إنتاج الكهرباء في البداوي، يشدّد بارودي على ضرورة إنشاء محطةٍ جديدةٍ بنظام الشراكة بين القطاعين العامّ والخاصّ PPP في موقع البداوي نفسه، نظرًا لاتساع المساحة المتاحة التي تسمح بإقامة "بداوي 2" إضافةً إلى محطةٍ ثانويةٍ أخرى. يهدف هذا المشروع إلى تأمين استقرار تزويد الشبكة بالكهرباء وضمان تلبية الاحتياجات المستقبلية.
كما يمكن النظر في إقامة محطة "الزهراني 2" على الأراضي القائمة حاليًا، مع ربطها بوحدة FSRU عائمة لاستقبال الغاز مباشرةً، بما يعزّز من تنوّع مصادر التزويد ويسرّع وتيرة التشغيل.
لماذا يختلف عرض 2025 عن مبادرة 2023؟
يختلف العرض القطريّ الحالي جذريًّا عن العرض السابق عام 2023، الذي اقترحت فيه الدوحة هبةً لبناء ثلاث محطاتٍ كهربائيةٍ، لكنه اصطدم بعرقلةٍ سياسيةٍ ومصالح أصحاب المولّدات الخاصة. العرض الجديد، وفق مراقبين "يمثّل استثمارًا تجاريًا واضح المعالم ويحظى بموافقةٍ سياسيةٍ رسميةٍ عالية المستوى من بيروت والدوحة"، ما يرفع احتمالات تنفيذه عمليًا.
توزيع المخاطر في حال شراكة PPP
وردًّا على سؤالٍ حول التوزيع المرتقب للمخاطر بين الحكومة اللبنانية، وقطر للطاقة، والقطاع المصرفي، في حال اعتماد شراكة PPP، يوضح بارودي:" على أنّ دور الحكومة اللبنانية هو تأمين الأرض والتراخيص وضمانات شراء الإنتاج Off-take، وتحمّل مخاطر المناخ السياسيّ وتحصيل الجباية. كما ويعدّ تحصيل الإيرادات أمرًا جوهريًّا؛ فلا يمكن تطبيق آليات جبايةٍ فعّالةٍ في مناطق تغيب فيها سلطة الدولة، ما يؤدّي إلى سرقةٍ وهدرٍ غير فنيّ مرتفعين. وبعد استعادة السيطرة الحكومية، يصبح من الضروري تركيب العدّادات الذكية على الخطوط الرئيسية وعند المشتركين للتحكّم المركزي في عمليات الفصل والإعادة وتجنّب المشكلات".
في المقابل، وفق بارودي، يقع على عاتق قطر للطاقة (أو الشركاء المحتملين)، "تحمّل، وبحسب الترتيبات التعاقدية، مخاطر التصميم والهندسة والبناء والتشغيل، وتوفّر جزءًا من رأس المال على شكل أسهم". أمّا المصارف اللبنانية أو العالمية "فتضطلع بتمويل الديون مقابل ضمانات سياديةٍ أو ضماناتٍ من Qatar Energy، متحمّلةً مخاطر سعر الفائدة وتحويل العملات".
وأضاف بارودي: "بعد إنشاء الهيئة الناظمة، يقتضي تفعيل عمل المجلس الأعلى للخصخصة والشراكة، تطبيقًا لأحكام القانون رقم 48 (7 أيلول 2017). ويناط بالمجلس تنظيم فصل قطاعات الإنتاج والنقل والتوزيع وفق قانون تنظيم قطاع الكهرباء رقم 462/2002، علمًا بأنّ هذه القطاعات تقع حاليًا ضمن احتكار مؤسّسة كهرباء لبنان. وفور الفصل وتقييم موجودات المؤسّسة، يفترض تأسيس شركاتٍ ذات طابعٍ مشتركٍ بين القطاعيْن العامّ والخاصّ تعنى بإنتاج الطاقة وتوزيعها، مع تحديد الأصول الناتجة عن هذا الفصل." موضحًا أنّه "وفي حال رغبة أيّ جهةٍ خاصةٍ في الاستثمار عبر الشركة القطرية، ينبغي لها تأمين ملكية الأرض اللازمة، والالتزام التامّ بشروط الربط على الشبكة وبآليات التسعير التي تضعها الهيئة الناظمة. بناءً عليه، يعدّ تفعيل المجلس خطوةً أساسيةً لضمان التكامل مع الهيئة الناظمة وإتاحة المجال أمام القطاع الخاص لإنشاء محطاتٍ جديدةٍ ضمن إطارٍ قانونيٍّ وتنظيميٍّ واضح.
موقع لبنان في استثمارات قطر بشرق المتوسّط
ويكتسب المشروع القطريّ في لبنان بعدًا استراتيجيًا يتجاوز الحدود الوطنية. فقد دخلت قطر للطاقة السوق اللبنانية مطلع 2023 بشراء حصةٍ قدرها 30% في كونسورتيوم بلوك 9 البحري (إيني–توتال–قطر)، ما وفّر لقطر حضورًا يجمع بين الاستثمار في استخراج الغاز البحري وإنتاج الكهرباء البريّ.
ففي سوريا: وقّعت شركة UCC القطرية، في أيار 2025، اتفاقًا بقيمة سبعة مليارات دولار لبناء أربع محطاتٍ غازيةٍ ومحطةٍ شمسية، تشمل إيصال الغاز القطري عبر الأردن، ما قد يسهّل مستقبلًا ربط الشبكتين اللبنانية والسورية. أمّا وفي قبرص، فبدأت QatarEnergy مع إكسون موبيل التنقيب في حقل "إلكترا" (بلوك 5) في كانون الثاني 2025، ما يعزّز موقع قطر بين النفوذيْن الإسرائيلي والتركي في شرق المتوسّط.
بهذه الخطوات، ترسم قطر قوس طاقةٍ استراتيجيًا يبدأ من حقل الشمال ويصل إلى السواحل الشرقية للمتوسط، مانحًا إيّاها أوراق ضغطٍ في معادلة الطاقة الأوروبية الساعية إلى بدائل مستدامة عن الغاز الروسي.
ad
قطر: دوافع الاستثمار وأهداف النفوذ
وعن دوافع الاستثمار يؤكّد بارودي أنّ "دخول قطر لتمويل بناء محطة إنتاجٍ كهربائي أو مساعدة لبنان على إنشاء محطة تغويزٍ للغاز لا يرتبط مباشرةً بالبلوك 9 وما قد يحتويه من احتياطات؛ فقطر يهمّها ازدهار الاقتصاد اللبناني، ومن المعلوم أنّ الكهرباء سلعةٌ أساسيةٌ لتطوّر كلّ القطاعات: الصناعة والزراعة والخدمات من استشفاءٍ وسياحةٍ وغيرهما. توفير الكهرباء بأسعارٍ مشجّعة يعزّز هذه القطاعات، ويقود إلى استقرارٍ اقتصاديٍّ ينعكس إيجابًا على المواطن اللبناني الذي يعاني اليوم من ارتفاع الأسعار وخدمةٍ سيّئةٍ ومتقطّعة".
"مع انتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية، وبعد فترةٍ طويلةٍ من الفراغ الدستوري، بدأ اللبنانيون يلمسون اهتمامًا عربيًا ودوليًا متجدّدًا ببلدهم. يرتكز هذا الاهتمام على الالتزام بالإصلاحات"، يقول بارودي، موضّحًا أنّ الرئيس عون أكّد أنّ الإصلاح سيكون في مقدّمة أولوياته. وقد أبدت دول الخليج، وعلى رأسها قطر، استعدادها لدعم لبنان والوقوف إلى جانب شعبه، بشرط التزامه بتنفيذ الإصلاحات المالية والاقتصادية المطلوبة. "الكرة الآن في الملعب اللبناني"، يضيف بارودي، "فالمسؤولية تقع على عاتق الدولة لإقرار القوانين الإصلاحية وتطبيقها، لا سيّما تلك التي طال انتظارها مثل قانون تنظيم قطاع الكهرباء (2002) الذي لم يطبّق حتى اليوم"، يردّ بارودي على تساؤلٍ عمّا إذا كنّا قد نشهد سباقًا خليجيًا (سعوديًّا–إماراتيًا) للدخول إلى قطاع الكهرباء اللبناني إذا تمكّنت الدوحة من تثبيت موطئ قدمٍ راسخ فيه.
في المحصلة، يبدو العرض القطريّ فرصةً ذهبيةً قد لا تتكرّر، وهو اختبارٌ لقدرة لبنان على تحويل الدعم الخارجيّ إلى بنيةٍ تحتيةٍ وسياساتٍ كهربائيةٍ وإصلاحيةٍ فعّالة. أمّا بالنسبة لقطر، فإنّ نجاح هذا المشروع سيعزّز دورها كلاعبٍ إقليميٍّ مؤثّر، ويرسّخ مكانتها الأساسية على خريطة الطاقة الجديدة في شرق المتوسّط.
جاد هاني - المدن