الحكومة تمنح "ألفا" و "تاتش" براءة ذمة ممدّدة.. هل تفتح شهية باقي المتخلّفين؟

الحكومة تمنح "ألفا" و "تاتش" براءة ذمة ممدّدة.. هل تفتح شهية باقي المتخلّفين؟ -- Oct 14 , 2025 13

لم تمرّ على خير محاولة الحكومة الالتفاف على الفوضى التي خلّفها انهيار قيمة العملة الوطنية، في منح موظفي شركتي الخليوي "تاتش" و "ألفا" تعويضاتهم المستحقة عن نهاية الخدمة. بل أثار قرارها بتمديد مهل انتهاء صلاحية براءتي ذمة شركتي الخليوي من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، دون سواهما، بلبلة واسعة.

 

وقد تشعّبت الاعتراضات على القرار بين موظفي "ألفا" و "تاتش"، والاتحاد العمالي العام، والهيئات الاقتصادية، وصولًا إلى إدارة الضمان نفسها... ولمّا حاول مجلس الوزراء امتصاص وقعها، من خلال تشكيله لجنة وزارية كلّفت وضع خطة عملية لحلّ شامل لمشكلة التعويضات خلال مهلة لا تتجاوز الشهر، جاءه الردّ بدعوى إبطال فتحت أمام مجلس شورى الدولة.

ماذا في القرار 6 وتبريراته ومخرجاته القانونية أولًا...

صدر قرار الحكومة الرقم "6" بتمديد مهل براءتي ذمة شركتي الخليوي في 6 تشرين الأول الجاري. حيث وافق المجلس وفقًا لما جاء في القرار "على طلب وزارة العمل بإصدار مشروع مرسوم يرمي إلى تمديد مهلة براءتي الذمة الصادرتين بتاريخ 2024/11/21 وتاريخ 2024/11/28 والعائدتين لكل من شركتي الخليوي MIC و MIC2 لمدة سنة واحدة، اعتبارًا من تاريخ انتهاء صلاحيتهما".

وفي التبريرات التي وردت بالقرار: "أن وزارة الاتصالات، قد أفادت أن شركتي الخليوي MIC1 و MIC2 المملوكتين من الدولة اللبنانية، قد تقدّمتا بطلب الحصول على براءة ذمة شاملة من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بناءً على طلب وزارة الاتصالات. وتبيّن أن وزارة الاتصالات قد رأت أن إنجاز هذه البراءة يستلزم تفتيشًا عامًا يستغرق وقتًا طويلًا نسبيًا. علمًا أن براءة الذمة العادية تُعدّ من المستندات الأساسية والضرورية للشركات، لا سيّما لعمليات الاستيراد، وأن أي تأخير في تجديدها من شأنه أن يُعيق إدخال المعدّات اللازمة لتوسيع الشبكة وتحسين جودتها، ما يؤدّي إلى عرقلة تطوير الخدمات المقدّمة للمواطنين، وبالتالي إلى انعكاس سلبي على موارد الخزينة العامة. لذلك، طلبت من وزارة العمل الإيعاز إلى إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الموافقة على تجديد أو تمديد مهلة براءة الذمة العادية لمدة سنة، ريثما تصدر القوانين التي ترعى موضوع تسوية تعويضات نهاية الخدمة".

وجد القرار مخرجه القانوني في المقابل، من خلال الفقرة الثانية من المادة 65 من قانون الضمان، والتي تجيز "عند الاقتضاء" تمديد مفعول براءة الذمة بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العمل. وهو ما أمّن غطاءً قانونيًا لمشروع المرسوم المرفوع من قبل وزير العمل إلى مجلس الوزراء، ولكنه جرّده من ثقة الطبقة العاملة التي اعتبرت أنه "انحاز لمصلحة ربّ العمل بدلًا من الدفاع عن حقوق العمال".


"ألفا" و "تاتش" ليستا بريئتي الذمة؟

في الشكل، يبدو الأمر إذًا إجراءً روتينيًا، يهدف إلى تأمين استمرار العمل في مرفقي "ألفا" و "تاتش". ولكن في المضمون، يكشف أن شركتي الخليوي التابعتين للدولة اللبنانية "ليستا بريئتي الذمة" من مستحقات "الضمان" وفقًا لبيان صدر عن رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر. فما هي خلفيات القرار غير المذكورة في تبريراته إذًا؟

لا ينفصل نزاع موظفي "ألفا" و "تاتش"، سواء مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو مع وزارتي الاتصالات والعمل، عن جذور الأزمة المالية التي يعاني منها لبنان منذ العام 2019. ومع أن رواتب موظفي الخليوي صُحّحت سريعًا واستعادت قيمتها بالـ "فريش" دولار، فإن هذه "النعمة" تحوّلت إلى "نقمة" عند احتساب تعويضاتهم، التي "تشكل المصدر الوحيد الذي يعتمد عليه الموظف بعد بلوغه سن التقاعد" وفقًا لما ورد في بيان لنقابة موظفي الشركتين.

الموظف عالق بين القرارات وإبطالاتها

كانت التسوية تناقش في السنوات الماضية احتساب تعويضات الفئة "المحظوظة" بالرواتب المدولرة في الضمان الاجتماعي، على أساس سعر الصرف الحالي، على أن يتحمّل أرباب العمل الفارق الناتج عن انهيار الليرة. إلّا أن المؤسّسات الخاصة التي تدفع الرواتب بالدولار، رفضت تغطية الفروقات السابقة التي سدّدتها للضمان، لما يترتب على ذلك من كلفة ضخمة.

تفهّم مجلس النواب موقف الهيئات الاقتصادية الداعمة لأرباب العمل، وعلّق في موازنة 2025 دفع الاشتراكات للضمان بانتظار التوصّل إلى حلول مستدامة لهذه المشكلة. ولكن إدارة "الضمان" رفضت تطبيق هذا التجميد، مستندة في ذلك إلى قرار صدر عن المجلس الدستوري رقمه 3/2025، أبطل من خلاله الفقرة الأخيرة من المادة 18 من موازنة العام 2025، والتي كانت تنصّ على صدور قانون خاص لمعالجة التعويضات. وهكذا وجد الموظف نفسه عالقًا بين القرارات وإبطالاتها، بينما استحقاقاته من صندوق الضمان مجمّدة. ولكن من دون أن يتساوى الكلّ بهذا الإجراء وتحديدًا في شركتي "ألفا و "تاتش".


موظف "بسمنة" وموظف "بعسل"


وفقًا لمطالعة نقابة موظفي ومستخدمي الشركات المشغلة للخليوي في طعنها المقدّم أمام مجلس شورى الدولة، فإن "شكاوى عدّة قدّمها موظفو شركتي الخليوي إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، تبيّن تقاعسهما تعسّفيًا عن تزويد بعض أجرائهما الذين استحقوا سحب تعويضات نهاية الخدمة من الصندوق، بالمستندات الإلزامية التي تمكّنهم من مباشرة تقديم طلباتهم، وبالتالي تخلّف الشركتين عن دفع الاشتراكات المتوجبة للصندوق، ومنها التسوية الاحتياطية".

بحسب نقيب موظفي الشركتين مارك عون، ورثت وزارة الاتصالات هذه المشكلة منذ عهد الوزير السابق جوني القرم. والأخير على ما يبدو، استغلّ التضارب الحاصل بين قراري مجلس النواب والمجلس الدستوري، فسمح بصرف تعويضات كاملة لعدد محدود من الموظفين بوساطات سياسية وعلى أساس سعر صرف 89,500 ليرة، قبل أن يعيد تعليق تسديد هذه الاستحقاقات مجدّدًا.

يتطرّق الطعن المقدّم من النقابة لهذه الإشكالية. إذ يشير إلى "أن شركتي الخليوي سدّدتا لبعض الأجراء انتقائيًا واستنسابيًا في السنتين الأخيرتين اشتراكات تعويضات نهاية خدمتهم من الصندوق، سندًا لقانون الضمان الاجتماعي رقم 1963/13955 وسلمتهم المستندات اللازمة موقعة منها لتمكّنهم من سحب التعويضات، كما دفعت اشتراكاتهم والتسويات الاحتياطية. وقد قبض هؤلاء الأجراء تعويض نهاية خدمتهم كاملًا من الصندوق، في حين حرم منها أجراء آخرون رغم حقهم بتعويض نهاية الخدمة".

شهية فتحت على استثناءات مشابهة

سبعة موظفين في "تاتش" و "ألفا" هم المتضرّرون المباشرون حتى الآن وفقًا للطعن. بينما "القرار 6" الصادر عن الحكومة جاء ليعقد المشكلة بدلًا من أن يحلّها. إذ رأت فيه النقابة "التفافًا على حقوق الموظفين ولقمة عيشهم، عبر محاولاتٍ مكشوفةٍ لقضم تعويض نهاية الخدمة، وهو الجنى الوحيد الذي تبقى للعامل بعد سنواتٍ من التعب والعطاء". لتتساءل في طعنها به بالمقابل: "كيف من الممكن للحكومة أن تقرّ تمديد صلاحية مستند رسمي، يفيد أن شركتي الخليوي بريئتا الذمة تجاه الضمان، في حين أن الشركتين بأنفسهما تقرّان في متن القرار بتوجب اشتراكات غير مدفوعة".


ولم تكتف النقابة في طعنها بهذا القدر، بل رأت أن قرار الحكومة رقم 6 "فضّل فئة من المواطنين على أخرى خلافًا لمبدأ المساواة في تحمّل الأعباء العامة"، وذلك من خلال حصره قرار تمديد صلاحية براءة الذمة بشركتي "ألفا" و "تاتش".


إلّا أن القرار على ما يبدو فتح شهية المؤسّسات الخاصة على الاستفادة من استثناء مشابه أيضًا. ووفقًا للمعلومات، فقد صارح بعض المعنيين من الهيئات الاقتصادية وزراء في الحكومة ورئيسها بشكل واضح، بأنهم لن يقبلوا بأن يسري القرار على "ألفا" و "تاتش" دون سواهما من المؤسّسات التي تخضع لتفتيش الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ولوّح هؤلاء باللجوء أيضًا إلى مجلس شورى الدولة إذا ما لم يجر التعامل معهم بعدالة مماثلة، رافضين الذرائع المقدّمة حول كون شركتي الخليوي تابعتين للدولة.

إدارة الضمان ترفض وتحذر

هذه البوادر اعتبرها الاتحاد العمالي العام في المقابل،"تشريعًا لأصحاب العمل بمخالفة القانون، وللضمان بعدم دفع تعويضات نهاية الخدمة، وهو منحى من الممكن أن يأخذ حقوق العمال ومكتسباتهم إلى منعطف خطير لم يسبق أن حصل منذ عقود ويهدّد قانون التقاعد والحماية الاجتماعية".

بينما كان لافتًا أن تشكل مشاركة الصندوق الوطني في الجدل دعمًا لمطلب الموظفين والاتحاد العمالي العام. إذ انعقد اجتماع طارئ في مؤسسة الضمان الاجتماعي يوم الجمعة الماضي، صدر عنه بيان رفض بالمطلق للقرار. واعتبر أنه يتضمّن مخالفات جوهرية من شأنها إلحاق الضرر بمصلحة الصندوق وبحقوق المضمونين، ولخصها على الشكل التالي:

- مخالفة مبدأ المساواة بين المكلفين من خلال منح شركات محدّدة امتيازات غير مبرّرة على حساب الالتزام العام بالقوانين والأنظمة المرعية.

- تجاوز الصلاحيات القانونية الممنوحة، عبر تمديد مفعول براءة الذمة دون استيفاء المتوجّبات المالية المترتبة على تلك الشركات.

- الإضرار بالوضع المالي للصندوق، إذ إن إعطاء براءة الذمة دون تحصيل المتوجّبات يهدّد قدرة الصندوق على تمويل تقديماته الصحية والاجتماعية.

- ضرب مبدأ العدالة الضريبية والمالية، بما يفتح الباب أمام مطالبات مماثلة من قطاعات أخرى ويضعف سلطة تطبيق القوانين.

وعليه، طلب مجلس إدارة الضمان سحب مشروع المرسوم فورًا باعتباره يشكل خطرًا مباشرًا على بنية الصندوق المالية والتنظيمية، ويفتح الباب أمام سابقة خطيرة تمسّ بحقوق آلاف المضمونين.

بين الحلّ والتصعيد

لم يسهم قرار الحكومة في جلستها التي انعقدت يوم الخميس الماضي، بتشكيل لجنة وزارية تضمّ وزراء المالية، الاقتصاد، الصناعة، العمل، والاتصالات لتلقي هذه الصدمات من خلال تسريع وتيرة البحث بتعويضات نهاية الخدمة في المقابل، في بث التطمينات الكافية. بل اعتبر بمثابة "مورفين" يهدّئ الطبقة العاملة إلى أن يمرّ "القرار 6" وتصدر مراسيمه المطلوبة عن الحكومة. إذ إن صدور مرسوم تمديد براءتي الذمة للشركتين، يتيح لهما الاستمرار بالعمل من دون ضغط نقابي أو قانوني. بينما قد تتأخر اللجنة الوزارية في التوصّل إلى تسوية مقبولة من الأطراف المعنية بنظام الضمان، إلى ما بعد المهلة المحدّدة، فتكون الشركتان قد حصلتا على براءة الذمة من دون أي التزام تجاه تسويات التعويضات. وربما يكون هذا ما دفع بنقابة موظفي "ألفا" و "تاتش" إلى تقديم طعنها، تفاديًا كما قالت "للضرر البالغ الذي يلحقه القرار بالتوازن المالي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وبحقوق الأجراء في شركتَي الخليوي، ولا سيّما أولئك الراغبين في تصفية تعويضات نهاية خدمتهم".

هل تتراجع الحكومة عن إصدار مرسوم "تبرئة ذمة ألفا وتاتش" رسميًا؟ أم تنزلق الأمور في الأيام المقبلة إلى تصعيد إضافي، لا يُستبعد لجوء أطرافه إلى كافة أوراق الضغط، حتى لو خلّف بعضها تداعيات على حق المواطنين بخدمات اتصالات مستقرّة ومستدامة، أو كرّس حرمان الموظفين من ضماناتهم الاجتماعية المستحقة؟

لوسي بارسخيان - نداء الوطن

أقرأ أيضاَ

كركي: الضمان الاجتماعي يدّعي على شركتين بتهمة تسجيل أجراء وهميين

أقرأ أيضاَ

المتقاعدون في المؤسسات العامة يطالبون بتصحيح تعويضات نهاية الخدمة