شطب الودائع.. هديةٌ لسارقيها وخرابٌ للاقتصاد -- Oct 17 , 2025 9
منذ اندلاع الأزمة المالية في لبنان، يحاول البعض تصوير شطب الودائع كأنّه «حلّ واقعي» للأزمة المصرفية، وكأنّ ضَياع أموال الناس هو ثمنٌ لا بُدّ منه لإحياء الاقتصاد. لكنّ الحقيقة أنّ شطب الودائع ليس حلاً، بل جريمة اقتصادية وأخلاقية مزدَوجة، فيها خراب الاقتصاد، وتُشكّل هدية لِمَن نهَبَ الأموال وسبَّب التعتير للآلاف.
يتذرّعون اليوم بأنّ صندوق النقد الدولي يطالب بشطب الودائع، وكأنّهم وجدوا في هذه الذريعة غطاءً لتبييض فشلهم وشرعنة جريمتهم بحق الناس. لكن قبل أن يهرعوا لتطبيق «تعليمات» الصندوق، عليهم أن يسألوا أنفسهم: هل هذا الصندوق حريص فعلاً على إنقاذ لبنان أم على دفنه؟
أين كان صندوق النقد حين كانت الهندسات المالية تُنهَب على مدى عقود؟ لماذا لم يتفوّه بكلمة وهو يُصفّق لسياسات رياض سلامة «العبقرية»؟ لماذا لم يُحذّر من الانهيار الوشيك، بل استمرّ في تزكية الطبقة المالية والسياسية نفسها التي سرقت أموال المودعين؟
لسنا بحاجة إلى مساعدة البنك الدولي، وعلينا أن نتفادى زيادة الديون المترتبة علينا. ليس من مصلحتنا اللجوء إلى البنك الدولي، ومن الخطأ أن نستدين فوق ما نحن عليه من مديونية. لقد حان الوقت لنعرف ما هي الأموال التي في يَد المصارف، ونتحقق من صحة حساباتهم.
التفسير الوحيد لعدم تجاوب المصارف مع طلبنا بفتح دفاترهم، هو أنّهم يسعون إلى إخفاء الأموال التي سُحِبت من الودائع. (نتّهمهم مراراً بأنّهم اغتنوا، فليفتحوا دفاترهم ليُثبِتوا أنّنا على خطأ).
لذلك، يجب أن نلاحق هذه الأموال، وإذا لم تكن كافية لإعادة الودائع - ونعتقد أنّها أكثر من كافية - فعلينا أن نلجأ إلى بيع الأراضي التي تملكها الدولة، فلا جدوى اقتصادية من بقائها في عهدة الدولة، مثل أراضي سكك الحديد البحرية مثلاً.
لقد حان الوقت لاستعمال هذه الأراضي. فالأزمة الآن، وهذا هو وقت استخدامها. أمّا مَن يقول إنّه يجب تركها للأجيال المقبلة، فنقول له: لن تكون هناك أجيال إن استمرّت الأوضاع على ما هي عليه، ولن يبقى أحد، تماماً كالمريض الذي يؤجِّل علاج مرضه إلى وقت لاحق، في حين أنّ حالته تزداد سوءاً ويُصبح من المستحيل علاجه.
الإقتصاد لا يُبنى على الوعود أو الخطابات، بل على ثقة أصحاب رؤوس الأموال، الذين يشكّلون شريان الحياة لأي نشاط إنتاجي أو استثماري. ولا يمكن الحديث عن تعافٍ اقتصادي ما دامت أموالهم محتجزة أو منهوبة.
لذلك، هناك ثلاثة شروط أساسية لإعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح:
1- إعادة الودائع إلى أصحابها فوراً، من دون تأخير أو مماطلة، عبر محاسبة المصارف والتدقيق الكامل في حساباتها، ومقارنتها بحسابات مصرف لبنان. لا يمكن لأي إصلاح أن يبدأ قبل إعادة الحقوق إلى أصحابها.
2- إطلاق مصارف جديدة نظيفة اليَد والإدارة، لأنّ المنظومة المصرفية الحالية فقدت ثقة الناس، ولم تعُد مؤهلة لإدارة أموالهم. التهرّب المستمر من فتح الدفاتر والتدقيق الشفاف لا يمكن تفسيره إلّا بالسعي لإخفاء أموال مشبوهة. فليُثبتوا العكس، إن كانوا أبرياء.
3- إرساء شفافية حقيقية وتشريعات واضحة للاستثمار، لا مجرّد شعارات شكلية. المطلوب هو كشف كل الحسابات والملفات أمام الرأي العام، وفرض قوانين فعّالة تُطمئن المستثمرين اللبنانيِّين وغير اللبنانيِّين، وتمنع مصادرة أموالهم بقرارات سياسية أو مصرفية تعسفية. فمن دون هذه البيئة القانونية والشفافة، لن يتجرّأ أي مستثمر على المجيء، ولن تعود الثقة إلى الدورة الاقتصادية.
إنّ مَن يُروِّج لشطب الودائع كحلّ إنقاذي، إنّما يُروِّج لدفن لبنان، ويضع آخر مسمار في نعش اقتصاده. إمّا أن نختار طريق الشفافية والمحاسبة واسترداد الأموال المنهوبة، أو نختار طريق الخضوع لشروط الخارج وشطب مستقبلنا.
فادي عبود - الجمهورية